كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فمراجعة بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنه علم أن الأمر غير عزم.
وذكر اسم الجلالة هنا للإِيماء إلى أن طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام طاعة للَّه، قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع اللَّه} [النساء: 80].
فالمقصود إذا قضى رسول الله أمرًا كما تقدم في قوله تعالى: {فإن لله خمسه وللرسول} في سورة الأنفال (41) إذ المقصود: فإن للرسول خُمُسَه.
و{الخيرة} اسم مصدر تخير، كالطِيرة اسم مصدر تَطَيَّر.
قيل ولم يسمع في هذا الوزن غيرهما، وتقدم في قوله تعالى: {ما كان لهم الخِيرة} في سورة القصص (68).
ومَن تبعيضية و{أمرهم} بمعنى شأنهم وهو جنس، أي أمورهم.
والمعنى: ما كان اختيار بعض شئونهم مِلْكًا يملكونه بل يتعين عليهم اتباع ما قضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا خيرة لهم.
و{مؤمن ومؤمنة} لمّا وقعا في حيز النفي يعُمّان جميع المؤمنين والمؤمنات فلذلك جاء ضميرها ضمير جمع لأن المعنى: ما كان لجمعهم ولا لكل واحد منهم الخِيرَة كما هو شأن العموم.
وقرأ الجمهور {أن تكون} بمثناة فوقية لأن فاعله مؤنث لفظًا.
وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلف وهشام وابن عامر بتحتية لأن الفاعل المؤنث غيرَ الحقيقي يجوز في فعله التذكير ولاسيما إذا وقع الفصل بين الفعل وفاعله.
وقوله: {ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبينًا} تذييل تعميم للتحذير من مخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام سواء فيما هو فيه الخيرة أم كان عن عمد للهوى في المخالفة.
{وَإِذْ تَقُولُ للذى أَنعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتق الله وَتُخْفِى في نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أن تَخْشَاهُ}.
و{إذ} اسم زمان مفعول لفعل محذوف تقديره: اذْكُر، وله نظائر كثيرة.
وهو من الذكر بضم الذال الذي هو بمعنى التذكُّر فلم يأمره الله بأن يذكر ذلك للناس إذ لا جدوى في ذلك ولكنه ذَكَّر رسوله صلى الله عليه وسلم ليُرتب عليه قوله: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه}.
والمقصود بهذا الاعتبارُ بتقدير الله تعالى الأسبابَ لمسبباتها لتحقيق مراده سبحانه، ولذلك قال عقبه: {فلما قضى زيد منها وطرًا زوجناكها} إلى قوله: {وكان أمر اللَّه مفعولًا} وقوله: {وكان أمر الله قدرًا مقدورًا} [الأحزاب: 38].
وهذا مبدأ المقصود من الانتقال إلى حكم إبطال التبنّي ودحض ما بناه المنافقون على أساسِه الباطِل بناءً على كفر المنافقين الذين غَمزوا مغامز في قضية تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينبَ بنت جحش بعد أن طلّقها زيد بن حارثة فقالوا: تزوج حليلة ابنه وقد نهَى عن تزوج حلائل الأبناء.
ولذلك ختمت هذه القصة وتوابعها بالثناء على المؤمنين بقوله: {هو الذي يصلي عليكم} [الأحزاب: 43] الآية. وبالإِعراض عن المشركين والمنافقين وعن أذاهم.
وزيد هو المعنيُّ من قوله تعالى: {للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه} فالله أنعم عليه بالإِيمان والخلاص من أيدي المشركين بأن يسَّر دخولَه في ملك رسوله صلى الله عليه وسلم والرسول عليه الصلاة والسلام أنعم عليه بالعتق والتبنّي والمحبة، ويأتي التصريح باسمه العلم إثر هذه الآية في قوله: {فلما قضى زيد منها وطرًا} وهو زيد بن حارثة بن شُراحيل الكلبي من كَلْب بن وَبَرة وبنو كلب من تغلب. كانت خيل من بني القين بن جَسْر أغاروا على أبيات من بني مَعن من طيء، وكانت أم زيد وهي سعدى بنت ثعلبة من بني مَعْن خرجت به إلى قومها تَزورهم فسبقته الخيل المُغيرة وباعوه في سوق حُباشة بضم الحاء المهملة بناحية مكة فاشتراه حكيم بن حِزام لعمته خديجةَ بنت خويلد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد يومئذٍ ابن ثمان سنين وذلك قبل البعثة، فحج ناس من كلب فرأوا زيدًا بمكة فعرفوه وعرفهم فأعلموا أباه ووصفوا موضعه وعند مَن هو، فخرج أبوه حارثة وعمه كعب لفدائه فدخلا مكة وكَلَّمَا النبي صلى الله عليه وسلم في فدائه، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فعرفهما، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «اخترني أو اخترهما».
قال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، فانصرف أبوه وعمّه وطابت أنفسهما ببقائه، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منه ذلك أخرجه إلى الحِجر وقال: «يا من حضَرَ اشهدوا أن زيدًا ابني يرثني وأرثه» فصار ابنًا للنبيء صلى الله عليه وسلم على حكم التبني في الجاهلية وكان يُدعى: زيد بنَ محمد.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوَّجه أمَّ أيمن مولاته فولدت له أسامة بن زيد وطلقها.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجه زينب بنت جَحش الأسدي حليف آل عبد شمس وهي ابنة عمته أُميمة بنت عبد المطلب، وهو يومئذٍ بمكة.
ثم بعد الهجرة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة بن عبد المطلب ولما بطل حكم التبنّي بقوله تعالى: {وما جعل أدعياءَكم أبناءَكم} [الأحزاب: 4] صار يُدْعى: حِبَّ رسول الله.
وفي سنة خمس قبل الهجرة بعد غزوة الخندق طلق زيد بن حارثة زينب بنت جحش فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأمها البيضاء بنت عبد المطلب وولدت له زيد بن زيد ورقية ثم طلّقها، وتزوج دُرَّة بنت أبي لهب، ثم طلّقها وتزوج هند بنت العوام أخت الزبير.
وشهد زيد بدرًا والمغازي كلّها.
وقُتل في غزوة مُؤتة سنة ثمان وهو أمير على الجيش وهو ابن خمس وخمسين سنة.
وزوجُ زيد المذكورة في الآية هي زينبُ بنت جَحْش الأسدية وكان اسمها بَرَّة فلما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سمّاها زَينب، وأبوها جحش من بني أسد بن خزيمة وكان أبوها حليفًا لآل عبد شمس بمكة وأمها أُميمة بنت عبد المطلب عمةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم تزّوجها زيد بن حارثة في الجاهلية ثم طلّقها بالمدينة، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة خمس، وتوفيت سنة عشرين من الهجرة وعمرها ثلاث وخمسون سنة، فتكون مولودة سنة ثلاث وثلاثين قبل الهجرة، أي سنة عشرين قبل البعثة.
والإِتيان بفعل القول بصيغة المضارع لاستحضار صورة القول وتكريره مثل قوله تعالى: {يجادلنا في قوم لوط} [هود: 74] وقوله: {ويصنع الفلك} [هود: 38]، وفي ذلك تصوير لحثِّ النبي صلى الله عليه وسلم زيدًا على إمساك زوجه وأن لا يطلقها، ومعاودته عليه.
والتعبير عن زيد بن حارثة هنا بالموصول دون اسمه العَلم الذي يأتي في قوله: {فلما قضى زيد} لما تشعر به الصلة المعطوفة وهي {وأنعمت عليه} من تنزه النبي صلى الله عليه وسلم عن استعمال ولائه لحمله على تطليق زوجه، فالمقصود هو الصلة الثانية وهي {وأنعمت عليه} لأن المقصود منها أن زيدًا أخص الناس به، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام أحرص على صلاحه وأنه أشار عليه بإمساك زوجه لصلاحها به، وأما صلة {أنعم الله عليه} فهي توطئة للثانية.
واعلم أن المأثور الصحيح في هذه الحادثة: أن زيد بن حارثة بقيت عنده زينب سنين فلم تلد له، فكان إذا جرى بينه وبينها ما يجري بين الزوجين تارة من خلاف أدلّت عليه بسؤددها وغضّت منه بولايته فلما تكرّر ذلك عزم على أن يطلقها وجاء يُعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعزمه على ذلك لأنه تزوجها من عنده.
وروي عن علي زين العابدين: أن الله أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه سينكح زينب بنت جحش.
وعن الزهري: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يُعلمه أن الله زوّجه زينب بنت جحش وذلك هو ما في نفسه.
وذكر القرطبي أنه مختار بكر بن العلاء القشيري وأبي بكر بن العربي.
والظاهر عندي: أن ذلك كان في الرؤيا كما أُري أنه قال لعائشة: «أتاني بككِ الملك في المنام في سَرَقَة من حرير يقول لي: هذه امرأتك فأكْشِفُ فإذا هي أنتتِ فأقول: إن يكن هذا من عند الله يُمضه». فقول النبي صلى الله عليه وسلم لزيد: «أمسك عليك زوجك» توفية بحقّ النصيحة وهو أمر نصح وإشارة بخير لا أمر تشريع لأن الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا المقام متصرف بحق الولاء والصحبة لا بصفة التشريع والرسالة، وأداء هذه الأمانة لا يتأكد أنه كان يعلم أن زينب صائرة زوجًا له لأن علم النبي بما سيكون لا يقتضي إجراءَه إرشادَه أو تشريعه بخلاف علمه أو ظنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن أبا جهل مثلًا لا يؤمن ولم يمنعه ذلك من أن يبلغه الرسالة ويعاوده الدعوة، ولأن رغبته في حصول شيء لا تقتضي إجراء أمره على حسب رغبته إن كانت رغبته تخالف ما يحمِل الناسَ عليه، كما كان يرغب أن يقوم أَحد بقتل عبدَ الله بنَ سعد بن أبي سرح قبل أن يسمع منه إعلانه بالتوبة من ارتداده حين جاء به عثمان بن عفان يوم الفتح تائبًا.
ولذلك كله لا يعد تصميم زيد على طلاق زينب عصيانًا للنبي صلى الله عليه وسلم لأن أمره في ذلك كان على وجه التوفيق بينه وبين زوجه.
ولا يلزم أحدًا المصير إلى إشارة المشير كما اقتضاه حديث بريرة مع زوجها مغيث إذ قال لها: «لو راجعته؟ فقالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: لا إنما أنا أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه».
وقوله: {أمسك عليك زوجك} يؤذن بأنه جواب عن كلام صدر من زيد بأن جاء زيد مستشيرًا في فراق زوجه، أو معلمًا بعزمه على فراقها.
و{أمسك عليك} معناه: لازِم عشرتها، فالإِمساك مستعار لبقاء الصحبة تشبيهًا للصاحب بالشيء الممسَك باليد.
وزيادة {عليك} لدلالة على على الملازمة والتمكن مثل {أولئك على هدى من ربهم} [البقرة: 5] أو لتضمن {أمسك} معنى احبس، أي ابق في بيتك زوجك، وأمرُه بتقوى الله تابع للإِشارة بإمساكها، أي اتق الله في عشرتها كما أمر الله ولا تحِدْ عن واجب حسن المعاشرة، أي اتق الله بملاحظة قوله تعالى: {فإمساك بمعروف} [البقرة: 229].
وجملة {وتخفى في نفسك ما الله مبديه} عطف على جملة {تقول}.
والإِتيان بالفعل المضارع في قوله: {وتخفي} للدلالة على تكرر إخفاء ذلك وعدم ذكره والذي في نفسه علمه بأنه سيتزوج زينب وأن زيدًا يُطَلّقها وذلك سرّ بينه وبين ربّه ليس مما يجب عليه تبليغه ولا مما للناس فائدة في علمه حتى يبلَّغوه؛ ألا ترى أنه لم يُعلم عائشة ولا أباهَا برؤيا إتياننِ الملَك بها في سَرَقةٍ من حرير إلا بعد أن تزوجها.
فما صْدَقُ «ما في نفسك» هو التزوج بزينب وهو الشيء الذي سيبديه الله لأن الله أبدى ذلك في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بها ولم يكن أحد يعلم أنه سيتزوجها ولم يُبْدِ الله شيئًا غير ذلك، فلزم أن يكون ما أخفاه في نفسه أمرًا يصلح للإظهار في الخارج، أي أن يكون من الصور المحسوسة.
وليست جملة {وتخفي في نفسك} حالًا من الضمير في {تقول} كما جعله في الكشاف لأن ذلك مبني على توهم أن الكلام مسوق مساق العتاب على أن يقول كلامًا يخالف ما هو مخفيّ في نفسه ولا يستقيم له معنى، إذ يفضي إلى أن يكون اللائق به أن يقول له غير ذلك وهو ينافي مقتضى الاستشارة، ويفضي إلى الطعن في صلاحية زينب للبقاء في عصمة زيد، وقد استشعر هذا صاحب الكشاف فقال: فإن قلت فماذا أراد الله منه أن يقوله حين قال له زيد: أُريدُ مفارقتها، وكان من الهُجنة أن يقول له: افعَلْ فإني أريد نكاحَها.
قلت: كأنَّ الذي أراد منه عز وجل أن يصمُت عند ذلك أو يقول: أنتَ أعلم بشأنك حتى لا يخالف سِرّه في ذلك علانيته. اهـ. وهو بناء على أساس كونه عتابًا وفيه وهَن.
وجملة {وتخشى الناس} عطف على جملة {وتخفي في نفسك} أي تخفي ما سيبديه الله وتخشى الناس من إبدائه.
والخشية هنا كراهية ما يرجف به المنافقون، والكراهةُ من ضروب الخشية إذ الخشية جنس مقول على أفراده بالتشكيك فليست هي خشية خوف، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخاف أحدًا من ظهور تزوجه بزينب، ولم تكن قد ظهرت أراجيف المنافقين بعدُ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوسم من خبثهم وسوء طويتهم ما يبعثهم على القالة في الناس لفتنة الأمة، فكان يعلم ما سيقولونه ويمتعض منه، كما كان منهم في قضية الإِفك، ولم تكن خشيةً تبلغ به مبلغَ صرفه عما يرغبه بدليل أنه لم يتردد في تزوج زينب بعد طلاق زيد، ولكنها استشعار في النفس وتقدير لما سيرجفه المنافقون.
والتعريف في {الناس} للعهد، أي تخشى المنافقين، أي يؤذوك بأقوالهم.
وجملة {والله أحق أن تخشاه} معترضة لمناسبة جريان ذكر خشية الناس، والواو اعتراضية وليست واو الحال، فمعنى الآية معنى قوله تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون} [المائدة: 44].
وحملها على معنى الحال هو الذي حمل كثيرًا من المفسرين على جعل الكلام عتابًا للنبيء صلى الله عليه وسلم و{أحق} اسم تفضيل مسلوب المفاضَلَة فهو بمعنى حقيق، إذ ليس في الكلام السابق ما يفيد وقوع إيثار خشية الناس على خشية الله، ولا ما يفيد تعارضًا بين الخشيتين حتى يحتاج إلى ترجيح خشية الله على خشية الناس، والمعنى: والله حقيق بأن تخشاه.
وليس في هذا التركيب ما يفيد أنه قدم خشية الناس على خشية الله، لأن الله لم يكلفه شيئًا فعمل بخلافه.
وبهذا تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل إلا ما يرضي الله، وقد قام بعمل الصاحب الناصح حين أمر زيدًا بإمساك زوجه وانطوى على علم صالح حين خشي ما سيفترصه المنافقون من القالة إذا تزوج زينب خفية أن يكون قولهم فتنة لضعفاء الإِيمان كقوله للرجلين اللذين رأياه في الليل مع زينبَ فأسرعا خُطاهما فقال: «على رسلكما إنما هي زينب». فكبر ذلك عليهما وقالا: سبحان الله يا رسول اللَّه. فقال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما».
فمقام النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة مقام الطبيب الناصح في بيمارستانَ يحوي أصنافًا من المرضى إذا رأى طعامًا يجلب لما لا يصلح ببعض مرضاه أن ينهى عن إدخاله خشية أن يتناوله من المرضى من لا يصلح ذلك بمرضه ويزيد في علته أو يفضي إلى انتكاسه.
وليس في قوله: {وتخشى الناس} عتاب ولا لوم، ولكنه تذكير بما حصل له من توقيه قالة المنافقين.
وحمله كثير من المفسرين على معنى العتاب وليس من سياق الكلام ما يقتضيه فأحسبهم مخطئين فيه، ولكنه تشجيع له وتحقير لأعداء الدين وتعليم له بأن يمضي في سبيله ويتناول ما أباح الله له ولرسله من تناول ما هو مباح من مرغوباتهم ومحباتهم إذا لم يصدهم شيء من ذلك عن طاعة ربهم كما قال تعالى: {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرًا مقدورًا الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله} [الأحزاب: 38، 39]، وأن عليه أن يعرض عن قول المنافقين، وعلى نحو قوله: {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين} [الشعراء: 3]، فهذا جوهر ما أشارت إليه الآية، وليس فيها ما يشير إلى غير ذلك.